الأخبار |

أزمة الغواصات بين فرنسا و(أوكوس)

 كشفت أزمة الغواصات بين باريس والدول الموقعة على الاتفاق الأمني "أوكوس" (AUKUS)، وهي بريطانيا وأميركا وأستراليا، عن عمق الأزمة بين فرنسا وبريطانيا، والحساسية المفرطة بين البلدين التي تطفو على السطح مع كل أزمة دبلوماسية، بسبب إرث تاريخي وسياسي طويل من الخلافات والصراع على ريادة القارة الأوروبية.

أزمة الغواصات بين فرنسا و(أوكوس)

 كشفت أزمة الغواصات بين باريس والدول الموقعة على الاتفاق الأمني "أوكوس" (AUKUS)، وهي بريطانيا وأميركا وأستراليا، عن عمق الأزمة بين فرنسا وبريطانيا، والحساسية المفرطة بين البلدين التي تطفو على السطح مع كل أزمة دبلوماسية، بسبب إرث تاريخي وسياسي طويل من الخلافات والصراع على ريادة القارة الأوروبية.

وتخففت الخارجية الفرنسية من كل عبارات الدبلوماسية وهي تصف دخول لندن في هذا الاتفاق بأنه يعبر عن "الانتهازية الدائمة لبريطانيا". ليرد رئيس الوزراء بهدوء لا يخفي سخرية بأن "حب بريطانيا لفرنسا لا ينضب" وهو تصريح وضعته الكثير من التقارير الإعلامية البريطانية في باب السخرية السوداء، على اعتبار أن تاريخ العلاقات بين البلدين حافل بالأزمات وسوء الفهم الذي تكرس في حقبة حساسة من تاريخ البلدين، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

بين تشرشل وديغول

طبع كل من رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، والرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول، التاريخ الحديث لكل من المملكة المتحدة وفرنسا، باعتبارهما من أبطال الحرب العالمية الثانية في مواجهة النازية.

ورغم أن ديغول قاد ما يعرف بحكومة فرنسا الحرة من لندن، ورغم أن تشرشل له أصول فرنسية من جهة والدته ودرس الفرنسية في طفولته، فإن هذا لم يمنعهما من تكريس الكثير من العقد بين البلدين.

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، كانت رؤية تشرشل تقوم على أن تتولى بريطانيا وفرنسا قيادة أوروبا، على أن يكون كل من أميركا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي، الرعاة لهذا المشروع الأوروبي.

وانطلق تشرشل من فكرة أن بريطانيا صاحبة الإرث الامبراطوري الكبير، هي في نفس المستوى مع أميركا وأكثر شأنا من فرنسا بل ومن أوروبا، ولهذا قال تصريحه الشهير "نحن مع أوروبا ولكن لسنا في أوروبا، نحن مرتبطان لكن لسنا ضمن أوروبا" وهو ما يعني وضع مسافة مع الأوروبيين.

هذه النظرة لم تكن تروق للجنرال ديغول الذي كان ينتقد "هوس" البريطانيين بربط أفضل العلاقات مع أميركا وإدارة الظهر لأوروبا، خصوصا بعد رفض المملكة المتحدة الانضمام لاتفاقية روما سنة 1957، قبل أن تغير لندن من رأيها وتطلب الانضمام للاتفاقية سنة 1963، الأمر الذي رفضه الجنرال بل واستعمل حق الفيتو ضد هذا الانضمام ليبقى الأمر معلقا إلى سنة 1973.

وكان ديغول لا يتقبل اعتبار أن بريطانيا هي استثناء في أوروبا "ويعتبرها جزيرة معزولة محاطة بالمياه وفقط". في المقابل يحافظ رؤساء وزراء بريطانيا بعد تشرشل وخصوصا المرأة الحديدية مارغريت تاتشر على نفس النهج.

حرب العراق

خلال الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، وقف كل من فرنسا وبريطانيا على طرفي النقيض مرة أخرى، ففي حين انضم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير للتحالف الدولي بقيادة أميركا لهذا الغزو، بل كانت بلاده في مقدمة الصف، قادت فرنسا المعسكر الرافض لهذا الغزو في مجلس الأمن أولا ودبلوماسيا ثانيا.

وسيتذكر التاريخ كلمات الرئيس الفرنسي جاك شيراك أن "فرنسا تخبر أميركا بالحقيقة كما يجب على أي صديق أن يفعل". في المقابل كان بلير يرد بأن هذه الحرب ضرورية لمواجهة تهديد حقيقي على قيم الغرب.

وظهر شيراك تلك الفترة مثل حكيم أوروبا الداعي للابتعاد عن هذه الحرب، ووجه رسالة للمشاركين في الغزو بـ "ضرورة توخي الحيطة والحذر ويجب التفكير جديا في أي خطوة غير ضرورية وما يمكن أن ينجم عنها من مخاطر".

 البريكست

ستبقى محطة "البريكست" نقطة فاصلة في تاريخ العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ومرة أخرى ستظهر الندية العالية بين لندن وباريس، حيث كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أشد المعارضين لتقديم أي تسهيلات لبريطانيا، وكان دائما يلوح بالخروج بدون اتفاق.

وظلت الدبلوماسية الفرنسية تتهم لندن بأنها تريد أن تستفيد لوحدها وأن تضع الشروط التي تريد.

وحتى الآن ما زالت فرنسا تعارض أي تغيير في البروتوكول الخاص بجزيرة أيرلندا، والذي يشكل ملفا حساسا بالنسبة للمملكة المتحدة، ويهدد بأزمة أمنية في حال عدم حله، ومع ذلك تتشدد فرنسا في التعامل مع هذا الملف.

حرب المياه

بلغ التوتر بين فرنسا وبريطانيا مداه بسبب جزيرة جيرسي التابعة للمملكة المتحدة والقريبة من السواحل الفرنسية بحوالي 14 ميلا فقط، وذلك بعد قرار لندن تحريك سفنها الحربية نحو الجزيرة لمنع أكثر من 60 سفينة صيد فرنسية من الاقتراب من الجزيرة أو الصيد في مياهها، بموجب اتفاق البريكست.

وكان التهديد البريطاني جديا وهو منع الاقتراب من المياه البريطانية ولو تطلب الأمر تدخلا عسكريا، لترد فرنسا بتحريك سفنها البحرية قرب الجزيرة مهددة بقطع الكهرباء عنها، ليرد دبلوماسيون بريطانيون بأنه حتى عندما احتل الجيش النازي الألماني الجزيرة لم يقطع عنها الكهرباء.

حرب اللقاحات

لم تخل أيام وباء كورونا من ضربات تحت الحزام بين فرنسا وبريطانيا، بداية بقرار الرئيس الفرنسي منع دخول أو خروج أي شاحنات قادمة أو متوجهة نحو بريطانيا، خوفا من تفشي الفيروس، مما أحدث أزمة في بريطانيا ونقصا في عدد من المواد الغذائية.

وأثار القرار غضب البريطانيين الذين اعتبروه إهانة، قبل أن تأتي الفرصة لرد الضربة، عندما تقدمت لندن في عملية التلقيح، في وقت كانت أوروبا عاجزة عن توفير أي جرعة لمواطنيها، حينها روجت الحكومة البريطانية أن نجاح عملية التلقيح مرده الانسحاب من أوروبا.

وهددت المفوضية الأوروبية بمنع اللقاحات المصنعة بأوروبا من التوجه لبريطانيا، وهو ما اعتبرته الأخيرة خرقا للقوانين الدولية، ليتراجع الاتحاد الأوروبي عن قراره، في أزمة وصفتها الصحف الأوروبية بأنها "أكبر إهانة يتعرض لها الاتحاد من طرف بريطانيا".

وكالات

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا